فصل: الفصل الخامس: في قسم الغنيمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الفصل الخامس‏:‏ في قسم الغنيمة

وفي الحديث‏:‏ ‏(‏كان من قبلنا يضع الغنائم فتأتي نار من السماء تأكلها‏)‏ وكانت حراما عليهم، لما في مسلم قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏فضلت على الأنبياء بست‏:‏ أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون‏)‏ قال ابن يونس‏:‏ اختلف أصحابه عليه السلام يوم بدر قبل نزول المنع إلا عمر - رضي الله عنه - فعاتبهم الله تعالى بقوله‏:‏ ‏(‏لولا كتاب من الله سبق‏)‏ يريد في تحليلها ‏(‏لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم‏)‏ ‏[‏الأنفال 68‏]‏ الآية‏.‏ ثم تنازعت طائفة غنموها، وطائفة اتبعوا العدو، وطائفة احدقوا بالنبي عليه السلام فنزل‏:‏ ‏(‏يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم‏)‏ ‏[‏الأنفال 1‏]‏ فسلموها له عليه السلام ببدر ثم نسخ ببدر بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏ فاختص عليه السلام بالخمس بقوله ‏(‏مالي إلا الخمس والخمس مردود عليكم‏)‏ وإلا فظاهر الآية يقتضي أن له السدس، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ الشأن قسم الغنائم وبيعها ببلد الحرب، وهم أولى برخصها، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قال محمد‏:‏ الإمام مخير بين قسمة أعيان الغنائم وأثمانها بحسب المصلحة، وقال سحنون‏:‏ إن تعذر البيع قسم الأعيان، واختار القاضي أبو الوليد قسم الأعيان دون البيع، قال ابن يونس‏:‏ روى ابن وهب عن مالك أنه عليه السلام لم يقفل من غزوة أصاب فيها مغنما حتى يقسمها، ولم يزل الناس على ذلك إلى زمن عمر بن عبد العزيز في البر والبحر، قال محمد‏:‏ يقسم كل صنف خمسة أجزاء، فالوصفاء صنف يقسم وصيفا حتى يفرغوا، ثم النساء كذلك ثم يجتهد أهل النظر في القسمة، ثم يفرغ فحيث وقع سهم الإمام أخذه، ثم يبيع الإمام الأربعة أخماس، ويقسمها عليهم، وإن رأى بيع جملة الغنيمة فعل وكتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لسعد بن أبي وقاص حين افتتح العراق‏:‏ أن اقسم ما جلب الناس إليك من كراع وسلاح أو مال بين من حضر من المسلمين، واترك الأنهار والأرضين لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين؛ لأنك لو قسمتها بين من حضر ما بقي لمن يأتي بعدهم شيء، وتأول عمر - رضي الله عنه - قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان‏)‏ ‏[‏الحشر 10‏]‏‏.‏

تفاريع أربعة‏:‏

الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يسهم للفرس سهمان وسهم للفارس، والراجل سهم، وقاله ‏(‏ش‏)‏ لما في الصحيحين ‏(‏أنه عليه السلام جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما‏)‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ له سهمان فقط سهم له وسهم لفرسه؛ لما في أبي داود أنه عليه السلام فرض للفارس سهمين وللراجل سهما‏)‏ ولأن نفع الفرس وإرهابه للعدو أكثر، ومؤنته أعظم لاقتيات الفرس بالحشيش، وما تيسر بخلاف الإنسان، والجواب عن الأول‏:‏ منع الصحة سلمنا لكن خبرنا مثبت بلفظه وخبركم ناف بمفهومه، والمثبت مقدم على النافي، والمنطوق مقدم على المفهوم، وعن الثاني‏:‏ أن السهمين ليسا للفرس بل لكون المقاتل فارسا، والفارس أفضل من الراجل إجماعا، ولأن الفارس يحتاج خادما لفرسه غالبا فهو في ثلاثة فلم يلزم تفضيل الفرس على الراجل، ومن له أفراس لا يسهم لغير فرس، وقاله الأئمة، وقال أبو يوسف‏:‏ لفرسين؛ لأنه عليه السلام أعطى الزبير لفرسين، وجوابه‏:‏ يحتمل أن يكون نفلا وهو جائز، ولنا‏:‏ القياس على الثلاثة فإن الإجماع منعقد على ما فوق الاثنين، وعلى السيوف والرماح بجامع أنها معدة للقتال، قال ابن يونس، قال ابن سحنون‏:‏ يسهم لفرسين، وجوابه‏:‏ يحتمل‏.‏ ورواه ابن وهب‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يشترط فيمن يسهم له أن يكون حرا مسلما ذكرا مطيقا للقتال بالبلوغ أو المراهقة فإن فقد العقل في دار الإسلام أو دار الحرب فقولان، فإن كان يفيق أحيانا بحيث يتأتى منه القتال أسهم له وإلا فلا، وإذا حضر الكافر القتال بإذن الإمام فأقوال ثالثها‏:‏ يفرق بين استقلال المسلمين فلا يسهم له، وبين احتياجهم للمعونة منه فيسهم، وإن لم يقاتل لم يستحق، والعبد كالذمي، وفي الصبي المطيق أقوال ثالثها‏:‏ التفرقة بين أن يقاتل أم لا، وإن قاتلت المرأة فقولان، وإلا فلا، ومن خرج لشهود الوقعة فمنعه عذر كالضال، ففي الإسهام له أقوال، ثالثها - وهو أشهرها - التفرقة بين ضلاله بعد الإدراب فيسهم له وإلا فلا، ومن بعثه الأمير في مصلحة المشركين فشغله ذلك عن الشهود اسهم له، وروي‏:‏ لا يسهم له، والأصل في شروطها الاستحقاق مبني على شروط الوجوب، فإن الغنيمة تبع للقتال‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ والبراذين إذا أجازها الوالي كالخيل، وقاله ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ زاد في ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ الهجن لقرب منفعتها من الخيل، واشتراط إجازة الوالي لاختلاف المواضع بالسهل، والعتاق خيل للعرب، قال المازري‏:‏ ولم يشترط ابن حبيب إجازة الوالي، وفسر البراذين بأنها الخيل العظام، وفسرها غيره بما كان أبوه وأمه نبطيين فإن كانت الأم نبطية والأب عربي فهجين وبالعكس مطرف، ومنهم من عكس، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏ قال‏:‏ ولا يسهم لبغل ولا حمار ولا بعير لبعد المنفعة، بل اتفق الناس على أنه لا يسهم للفيل مع أنه أرهب للعدو وأقوى جسما وشجاعة؛ لأنه لا يصلح للكر والفر، وإذا كان القتال في السفن ومعهم الخيل أو في البر وسروا رجالة وتركوا خيلهم فللفارس ثلاثة أسهم؛ لأنها معدة للحاجة إليها كما يسهم للراجل، وإن لم يقاتل، وإذا خرجت سرية من المعسكر فغنمت أورد الريح بعض السفن، أو ضل رجل عن أصحابه ببلد العدو فلم يحضر قتالا شارك العسكر في الغنيمة السرية، والسفن الراجعة الذاهبة، والضال أصحابه لطموح نفس الغانم لإعانة غيره بتوقع الاجتماع، وإن مات في أرض العدو وقبل اللقاء والمغنم فلا سهم له؛ لعدم تحقيق السبب، وكذلك لو مات فرسه ولو شهد هو وفرسه القتال مريضا أو مات أحدهما بعد القتال وقبل الغنيمة أسهم له، قال ابن يونس‏:‏ روى أشهب في الفرس المريض لا يسهم له، قال عبد الملك‏:‏ الغنيمة تجب بإيجاف فيعطى الفارس والفرس ما يعطى بالمشاهدة، قال ابن حبيب وبه أقول لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب‏)‏ ‏[‏الحشر 5‏]‏ فنفيه عنهم لعدم الاستحقاق يدل على سببيته، ويدل على قول مالك أن الإيجاف إنما هو مقصود القتال فالسبب في الحقيقة إنما هو القتال، قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ في استحقاق السهم أربعة أقوال، قال عبد الملك‏:‏ يستحق من كل ما غنم المشركين إلى حين قفوله إذا مات بالإدراب، وإن لم يكن في حياته لقاعد، وقال ابن القاسم‏:‏ لا يستحق بالإدراب إلا أن يكون في حياته لقاعد، وشاهد القتال، وقال أيضا‏:‏ لا يستحق إذا شاهد القتال فمات بعده إلا ما قرب من ذلك، والرابع‏:‏ لا يستحق بمشاهدة القتال إلا ما غنم بذلك القتال خاصة، قال المازري‏:‏ وهل يملك الغنيمة بالأخذ وبالقسمة‏:‏ قولان في المذهب وبالقسمة، قال مالك و‏(‏ح‏)‏ لأنه عليه السلام انتظر هوزان أن تسلم فيرد عليها ما أخذه، ولو ملكت لامتنع ذلك، وقال ‏(‏ش‏)‏ بالأخذ؛ لأن السبب هو الإيجاف أو القتال، والأصل ترتيب الحكم على سببه، وإنما لم تقسم غنائم مكة وأرضها إما؛ لأنها فتحت صلحا عند ‏(‏ش‏)‏ أو عنوة عند مالك وسائر الفقهاء، لكن له عليه السلام المن بالمغانم لكونها لا تملك إلا بالقسمة أو تملك بالأخذ لكن ذلك من خصائصها، لكونها إنما أحلت ساعة ثم عادت إلى الحرمة فلم تبح الغنائم، ويدل على العنوة قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ ‏[‏الفتح 1‏]‏ وتأمينه عليه السلام من ألقى سلاحه، ومن دخل دار أبي سفيان، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يتفرع على ملك الغنيمة بالأخذ والقسمة لو وقع في الغنيمة من يعتق على بعض الغانمين عتق عليه، وغرم نصيب أصحابه، ولو اعتق عبدا من المغنم قوم عليه، قاله سحنون، وقال ابن القاسم، وأشهب‏:‏ لا ينفذ عتقه، ولو وطئ أمة حد ولم تكن له أم ولد، وإن سرق قطع خلافا لعبد الملك فيهما، وقال سحنون‏:‏ إن سرق ما يزيد على حصته بثلاثة دراهم قطع وإلا فلا، ولا حد في الوطء ويثبت الإستيلاد، وإن كان سهمه يستغرق الأمة أخذ منه قيمتها يوم الحمل، والأكمل من ماله فإن كان معدما فنصيبه منها بحساب أم الولد، ويباع باقيها فيما لزمه من القيمة، ويتبع من قيمة الولد بقدر ذلك، قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ يستوي في أسهم الفارس الملك والجنس والكراء والعارية والغصب، وعليه أجرة المثل للمغضوب منه، وإن رمى رجل من العدو عن فرسه فقاتل عليه فلا يسهم له، ومن حضر القتال على فرس فلم يفتح لهم في يومهم فباعه فقاتل عليه رجل اليوم الثاني فلم يفتح لهم فباعه فقاتل عليه الثالث ففتح لهم فالسهام للبائع الأول؛ لأنه قتال واحد كما لو مات بعد أول يوم، وقاتل عليه الورثة، ومن ابتاع فرسا بعد المغنم واشترط سهمه، قال الأوزاعي‏:‏ يجوز كمال العبد، ومنع سحنون إن كان الثمن ذهبا؛ لأنه ذهب وعرض بذهب، والفرق أن العبد يملك فماله ليس مبيعا، وإنما اشترط على السيد رفع يده وسهم الفرس مملوك للبائع، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ إجارة الفرس ببعض سهمه فاسدة وله أجرة المثل، والسهمان للمقاتل، قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ إذا وجد فرسا عائدا عند القتال فقاتل عليه كان له سهمانه، ولو لم يكن للرجل إلا فرس واحد فتعدى عليه رجل، وقاتل عليه وصاحبه حاضر ووجده عائدا به لكانت سهمانه لصاحبه بخلاف المتعدي إذا لم يكن صاحبه حاضرا، وهذا على مذهب ابن القاسم، وروايته‏:‏ أن السهمين إنما تستحق بالقتال، وقال عبد الملك‏:‏ أنها تستحق بالإيجاف، ولا يكون للمقاتل شيء في التعدي ولا العارية ونحوها من الوجوه التي يوجف عليها أو يصير بيده بحد ثان الإيجاف، وهذا تفصيل فيما أجمله ابن يونس‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ يسهم للإمام كما يسهم لغيره، قال مالك‏:‏ ولا حق له من رأس الغنيمة والذي كان عليه السلام يصطفيه منها فرسا أو بعيرا أو أمة على حسب حال الغنيمة مخصوص به إجماعا، قال اللخمي‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا ظفر بالعدو وفيهم أسارى مسلمون أسهم لهم، وإن كانوا في الحديد‏.‏

الرابع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ وإذا قاتل التاجر والأجير أسهم له، وقاله ‏(‏ح‏)‏ و‏(‏ش‏)‏ ولا يسهم للنساء ولا للعبيد والصبيان، وإن قاتلوا، ولا يرضخ لهم، قال ابن يونس‏:‏ من قاتل من النساء قتال الرجال أسهم لها، ولا يسهم للعبد وإن قاتل؛ لأنه مستحق المنافع، ويستحب للإمام أن يجزي العبد والمرأة والصبي من الخمس، وإن كان في المعسكر نصارى فلا بأس أن يعطوا من الخمس، وقد روي أنه عليه السلام رضخ ليهود ونساء وصبيان وعبيد في المعسكر، قال محمد‏:‏ ويسهم لغير البالغ المطيق للقتال إن قاتل وإلا فلا، قال ابن القصار‏:‏ الأجير إذا خرج للجهاد وللإجارة بغير خدمة كالخياطة أسهم له قاتل أم لا، قال سحنون‏:‏ يسهم للأعمى والأقطع والأعرج والمخدوم فارسا، قال‏:‏ والصواب في الأعمى أن لا شيء له، وكذلك الأقطع اليدين بخلاف أقطع اليسرى ويسهم للأعرج إن حضر القتال، ولا شيء للمقعد إن كان راجلا، ومن كان خروجه للغزو غير أن معه تجارة أسهم له قاتل أم لا، وفي ‏(‏كتاب‏)‏ ابن مزين‏:‏ يسهم للأجير إذا قاتل كانت الغنيمة قبل القتال أو بعده، وإن كان القتال مرارا قسم له في جميع الغنيمة، وإن لم يحضر إلا مرة واحدة، قال ابن نافع‏:‏ لا يسهم إلا أن يحضر أكثر ذلك فإن حضر مرة قسم له فيها فقط، قال ابن حبيب‏:‏ يسهم للغلام ابن خمس عشرة سنة قاتل أم لا؛ لإجازته ابن عمر يوم الخندق وزيد بن ثابت والبراء بن عازب - رضي الله عنهم - أبناء خمس عشرة، وإن كان دون ذلك إن قاتل أسهم له وإلا فلا، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يسهم للمراهق؛ لأن الإسهام تبع لوجوب القتال، والمراهق لا يجب عليه شيء‏.‏

السابع‏:‏ في قسمة الخمس والفيء

قال المازري‏:‏ الخمس عندنا إلى اجتهاد الإمام يأخذ منه كفايته ولو كانت جميعه ويصرف الباقي في المصالح؛ لقوله عليه السلام ‏(‏ليس لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم‏)‏ فلم يخصص جهة، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يقسم خمسة أسهم‏:‏ سهم له عليه السلام، ويصرفه الإمام في المصالح، وسهم لذي القربى غنيهم وفقرهم، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل وجعل للإمام التمليك كما، قال في آية الزكاة، وجوابه تقدم هناك، وقال ‏(‏ش‏)‏ لثلاثة‏:‏ لليتامى والمساكين وابن السبيل، وسقط سهمه لموته، وقال غيرهما‏:‏ ستة، وزاد عمارة الكعبة لما استحال الصرف إلى الله تعالى صرف لبيته، وعندنا الإضافة إلى الله تعالى بمعنى التقرب في صرف الخمس لقوله عليه السلام ‏(‏ليس لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس‏)‏ الحديث ولم يقل‏:‏ السدس، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ الخمس والفيء سواء، يعطى من ذلك أقرباؤه عليه السلام بالاجتهاد، ولا يخرج الفيء عن البلد إلى غير أهله إلا أن يكونوا أشد حاجة

فينقل إليهم ما يفضل عن أهله، ويغطي المنفوس، ويقدم من أبوه فقير، وكان عمر - رضي الله عنه - يفرض للمنفوس مائة درهم، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن عباس رضي الله عنه وغيره‏:‏ ذوو القربى‏:‏ آله عليه السلام، وهو الأصح، وقيل‏:‏ قريش، قال سحنون‏:‏ وليس ذلك بمحدود، وقد سوى ابو بكر - رضي الله عنه - بين الناس، وفضل عمر - رضي الله عنه - بسابقة الهجرة وقدر الحاجة، وقال‏:‏ إن عشت إلى قابل لألحقن أسفل الناس بأعلاهم، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ الفيء هو الخمس، والجزية، والخراج وما صلح عليه الحربيون، وما يؤخذ من تجار الحرب والذمة، وخمس الركاز، قال ابن حبيب‏:‏ الذي مضى عليه أئمة العدل‏:‏ البداية بسد مخاوف المسلمين بإصلاح الحصون وآلة الحرب، فإن فضل فلقضاتهم وعمالهم، ومن ينتفع به المسلمون ممن يبني المساجد والقناطر وما يحتاج إليه، ثم الفقراء فإن فضل ورأى الإمام تفرقته على الأغنياء فعل أو يحبسه لعوارض الأيام، وفك الأسارى، وقضاء دين، أو معونة في عقل جراح، أو تزويج عازب، أو إعانة حاج، وأرزاق من يلي مصالح المسلمين والتفرقة بقدر الحاجة؛ فإن الأرزاق وضعت في العالم لسد الخلات دون المنوبات بل ادخر الله تعالى لكل عمل صالح أجره عنده، وعليه اعتمد الصديق - رضي الله عنه - ولاحظ عمر - رضي الله عنه - أن إكرام ذوي الفضائل تبعث على الاستكثار منها، ومنهم وروي اعتبار التفرقة بالفضائل، وروي أن ذلك موكل إلى اجتهاد الإمام ويوفر سهم أقربائه عليه السلام لامتناعهم من الزكاة، ويعطى العيال والذرية دون الأرفاء، ويعطي أهل البوادي القارين والمرتحلين، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يبدأ من الفيء أهل كل بلد افتتحت عنوة أو صلحا، ومن أوصى بنفقة في السبيل بدأ بأهل الحاجة منهم، ويجوز إعطاء الجوائز‏.‏

الثامن‏:‏ فيما حازه المشركون من الأموال وغيرها

وفي ‏(‏الاستذكار‏)‏‏:‏ فيما جاره المشركون خمسة أقوال‏:‏ لا يملكون مطلقا، وتؤخذ من الغنيمة قبل القسمة وبعدها بغير شيء، ويوقف لربه إن جهل، وقاله ‏(‏ش‏)‏ لأن المشركين أغاروا على سرح المدينة، فأخذوا منه ناقته عليه السلام، فنجت عليها امرأة، فنذرت نحرها إن نجاها الله تعالى، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة فحملت له عليه السلام فأخبرته المرأة بنذرها فقال لها عليه السلام‏:‏ ‏(‏بئس ما جزيتها، لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملكه ابن آدم‏)‏ وقياسا لأموالنا على رقابنا، ويملكون مطلقا فإذا غنمه المشركين لا يأخذه ربه قبل القسم ولا بعده، قاله علي - رضي الله عنه - وجماعة لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ما ترك لنا عقيل منزلا‏)‏ وللفرق بين ما غلبونا عليه فيملكون، وبين ما أبق إليهم، قال الثوري، وقال ‏(‏ح‏)‏ إن غلبونا عليه فصاحبه أحق به قبل القسم بغير شيء وبعده بالقيمة، وإن أخذوه بغير غلبة أخذه صاحبه مطلقا، وقال مالك وابن حنبل‏:‏ هو أحق به قبل القسم بغير

شيء وبعده بالثمن من غير تفصيل، لما يروى أن رجلا وجد بعيرا كان المشركون أصابوه فقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن أصبته قبل القسم فهو لك، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة‏)‏ قال‏:‏ وهو ضعيف السند‏.‏

تفاريع اثنا عشر‏:‏

الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ما حازه المشركون من مال مسلم أو ذمي من عرض، أو عبد أو غيره، أو أبق إليهم ثم غنمناه لهم، فإن عرفه ربه قبل القسمة كان أحق به، وإن لم يعرف ربه بعينه وعرف أنه لمسلم أو ذمي قسم، فإن جاء به فهو أحق به بالثمن بالغا ما بلغ، ولا يخير على فدائه، ومن وقع له أمة يعلمها لمسلم فلا يطأها حتى يعرضها عليه فيأخذها بماله أو يدع، وسواء اشتراها ببلد الإسلام أو الحرب، وكذلك العبد، وما وجده السيد قد فات بعتق أو استيلاد فلا سبيل له عليه، وكان من مغنم أو ابتياع من حربي، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ ووافق ‏(‏ش‏)‏ في أم الولد والمكاتب والمدبر، والفرق بين قبل القسم وبعده‏:‏ ضرر نقض القسمة أو ذهاب آخذه بغير شيء، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا كان عرف ربه، وكان غائبا، وكان نقله له مصلحة فعل ذلك وإلا باعه الإمام له، قال أشهب‏:‏ إن كان إيصاله من غير كلفة كالعبد والسيف فباعوه بعد علمهم، أخذه ربه بغير ثمن، قال سحنون‏:‏ إذا وجد الفرس في المغنم موسوما بالحبس لا يقسم، ويخلي السبيل، وقال أيضا‏:‏ لا عبرة بذلك؛ لأنه قد يوسم ليلاً يؤخذ من ربه‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أسر أهل الحرب ذميا ثم غنمناه لم يكن فيئا ورد

إلى ذمته، قال ابن القاسم‏:‏ ولو أسلم أهل بلد على إحراز ذمتنا وفي أيديهم رفيق لهم فهم أحق بجميع الأمتعة من أربابها لقوله عليه السلام ‏(‏من اسلم على شيء في يده للمسلمين فهو له‏)‏ وإذا قدم تاجر بأمان بعبيد المسلمين فلا يؤخذوا منه، وإن أسلم عندنا كانوا له، ومن اشترى أم ولد رجل من حربي فعلى سيدها جميع الثمن، وإن كان أكثر من قيمتها، ولا خيار له بخلاف العبد، والفرق أن أم الولد لا يجوز الانتفاع بها لغيره، وإذا قسمت في المغنم أخذها بالقيمة، ولو أعتقت لم تؤخذ فيها فدية، قال ابن يونس، قال أشهب‏:‏ على سيدها الأقل من ثمنها أو قمتها، قال سحنون‏:‏ إن صارت في سهم رجل بمائتين ثم غنمت فصارت في سهم رجل آخر بخمسين فله أخذها بمائتين يأخذ منها من هي بيده خمسين، والباقي للأول، وكذلك لو توالت البياعات أو كانت أمة وإليه رجع سحنون، وقال‏:‏ إذا اعتق أم الولد من صارت في سهمه عالما بها فكأنه وضع المال عن سيدها فله أخذها بغير ثمن، ويبطل العتق ولو أولدها المبتاع أخذها بالثمن، ويرجع عليه بقيمة ولدها ولو مات سيدها عتقت، وبطل حق المبتاع ولو قتلت ثم مات سيدها قبل فدائها بيعت؛ لأن هذا فعلها بخلاف الأول ولو ماتت بيد من صارت بيده لم يتبع سيدها بشيء، وكذلك إذا ماتت في الجناية قبل الفداء، ولو أسلم عليها أهل الحرب أخذها سيدها بقيمتها‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ما حازه المشركون من أموال المسلمين ثم أتوا به إلينا‏:‏ كره شراوه منهم، ومن ابتاع عبدا من دار الحرب أو وهب له فكافأ عليه فلسيده أخذه ودفع ما ودى من ثمن أو عرض، فإن لم يكاف على الهبة أخذه بغير شيء، فإن باعه بطل أخذ ربه لتعلق حق المشتري وضعف ملك ربه بشبهة ملك الحربي، وقال غيره‏:‏ يأخذه بدفع الثمن إلى المبتاع ويرجع به على الموهوب، قال ابن

يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ الأمة كالأمة المستحقة يأخذها ربها وقيمة ولدها، وقاله ابن القاسم ثم رجع، والفرق عنده‏:‏ أن المستحق يأخذ بغير ثمن فهو أقوى، قال سحنون‏:‏ إذا وقع الآبق في سهم رجل فباعه وتداولته الأملاك‏:‏ لربه أخذه بأي ثمن شاء كالشفعة، ثم رجع فقال بل بما وقع في المقاسم، ورواه عن ابن القاسم، قال ابن القاسم‏:‏ ولو سبي العبد ثانية بعد تداول الأملاك فلا مقال للذي سبي منه أولا، والذي سبي منه آخرا أولى منه بعد دفع ما وقع به إلى من هو بيده، فإن أخذه فلربه الأول أخذه بما وقع به في المقاسم الثانية؛ لأنه ملك ثان، ومن كتاب محمد، ومن ابتاع عبدا من المغنم بمائة، ولم يعرف ربه ثم سبي ثم اشتراه رجل بخمسين يقال لربه‏:‏ ادفع مائة للأول وخمسين للثاني إن شاء ويأخذه وإلا فلا، ثم إن شاء الأول فداه من الثاني بخمسين، فإن أسلمه إليه فلربه الأول من الثاني إعطاء خمسين وأخذه‏.‏

الرابع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ العبد المأذون يركيه الدين ويجني، ثم يأسره العدو فيقع في سهم رجل فلربه فداؤه بالأكثر مما وقع به في المقاسم، أو أرش الجناية، فإن كان الأرش العاشر وثمن المغانم عشرة أخذ من صار له عشرة والمجني عليه عشرة‏.‏ فإن كان الأرش عشرة أخذ من هو بيده العشرين ولا شيء لصاحب الجناية كما لو سبي فابتاعه رجل، ثم سبي ثانية وغنمه ففداه ربه بالأكثر وبه، قال ابن القاسم، وقال أشهب‏:‏ إذا اعتق المشتري من المغنم لربه نقض عتقه، وهو خلاف قول ابن القاسم في البيع والهبة، ولم يختلف قول أشهب في نقص البيع‏.‏

الخامس‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ ويرد المدبر من المغانم لسيده إن عرفت عينه، قال سحنون‏:‏ وإن لم يعرف بعينه دخلت خدمته في المغانم، قال عبد الوهاب‏:‏

يريد‏:‏ يؤاجر بمقدار قيمته فيجعل ذلك من المغانم، أو يتصدق به إن تفرق المشركين، فإذا استوفى المستأجر حقه كان باقي خراجه موقوفا كاللقطة، قال ابن القاسم‏:‏ وإن جهلوه اقتسموه، ولسيده فداؤه بالثمن ويرجع مدبرا، ولا يتبع المدبر بشيء، فإن امتنع من فدائه أخدمه من صار إليه في الثمن فإذا وفي رجع لسيده مدبرا، فإن مات سيده في أثناء الخدمة عتق واتبع بباقي الثمن، وإن لم يسعه الثلث عتق ما وسعه واتبع ما عتق منه بما يقع عليه من بقية الثمن كالجناية، ويحسب قيمة المدبر عبدا حتى يعلم ما يحمله الثلث، وإن لم يترك السيد شيئا عتق ثلثه ورق ثلثاه، ولا قول للورثة، وفي الجناية يخيرون فيما رق في الإسلام أو دفع ما يقع عليه من الجناية، والفرق أن المشتري من المغانم إنما اشتراه مما يرق منه، وفي الجناية أسلمت خدمته فإذا لم يحمله الثلث فهو كمعتق بعضه فيخير الورثة، وقال غير ابن القاسم‏:‏ إن حمله الثلث عتق ولم يتبع بشيء، وإن حمل البعض لم يتبع تلك الحصة المعتقة بشيء، بخلاف الجناية التي هي فعله، وفرق عبد الملك بين وقوعه في المقاسم وبين المشتري في بلد الحرب، فقال في الثاني‏:‏ يتبعه مشتريه بما بقي عليه، ويحاسبه بما يخدمه به، وإن حمله الثلث لا يتبع بشيء كالمشتري من المغنم، والمشتري من بلد الحرب لا يحاسب بشيء ما أخذ به ويتبع بالثمن، وإذا أسلم حربي على مدبر، قال سحنون‏:‏ له جميع خدمته، وإن مات سيده عتق في ثلثه ولم يتبع بشيء كحر أسلم عليه، وإن حمل الثلث بعضه رق باقيه ولم يتبع ما عتق منه بشيء، وإن كان على السيد دين محيط بجميع ماله وعلى المدبر الذي أسلم عليه، وقال‏:‏ إذا اشتريت المدبرة من العدو أو المغانم أو أسلم عليها حربي فوطئها فحملت كانت له أم ولد، ولا ترجع إلى سيدها، وإن دبرها الثاني ولم يعلم سيدها فدفع سيدها إليه ما فداها به بطل تدبيره، وعادت على حالها، وإن أسلمها بقيت بيد سيدها تخدمه ولا يبطل تدبيره، فإن مات الأول وحملها الثالث عتقت ولا يتبعها الثاني بجميع الفداء، فإن مات الثاني وحملها الثالث يسقط الفداء، قال ابن القاسم‏:‏ لو اعتق المدبر مشتريه نفذ العتق بخلاف أم الولد، والمعتق إلى أجل

لعدم قبولها الملك الثاني، وخالف أصبع في المعتق إلى أجل وسحنون إن أعتقه وهو عالم به‏.‏

السادس‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ والمعتق إلى أجل كالمدير إن عرف ربه وقف له، وإلا وقفت خدمته في المقاسم، فإن جاء سيده خر بين فداء خدمته وإسلامها لمشتريها، ولو جهل بيع في المقاسم، فإن فداه سيده عاد مدبر، وإن أسلمه أخدمه امشتري في الثمن فإن استوفى قبل الأجل عاد لسيد، والأعتق ولم يتبع، وإن فداه أحد من العدو فداه السيد بذلك إن شاء ولا يحاسب بعد العتق، وإلا صارت خدمته للفادي للأجل، فإذا عتق اتبعه بجميع الفداء، قال محمد‏:‏ يحاسبه بالخدمة ويتبعه بالباقي إن اشتراه من العدو، فإن اشتراه من المغنم لم يتبعه، وإذا أسلم الحربي على معتقة إلى أجل وأولدها كان عليه قيمة ولدها على أنهم يعتقون عند الأجل؛ لأنه لم يملكها ملكا تاما، ولو قتلت فقيمتها للذي أسلم عليها، ولو ولدت من غيره فولدها معها في الخدمة، ولو فداها رجل من الحربيين فأولدها فدفع السيد الفداء خاصة بقيمة الولد على أنه ولد أم ولد هكذا في ‏(‏النوادر‏)‏ قال‏:‏ والصواب ولد معتقة إلى أجل فإن أسلمها فعلى الواطئ قيمة ولدها، وكذلك لو أخذها من المغانم فأولدها‏.‏

السابع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ ويرد المكاتب إلى ربه من المغانم غاب أو حضر، فإن لم يعرف بعينه بيعت كتابته في المغانم، وتؤدي إلى من صار إليه، فإن عجز رق وإلا عتق، وولاؤه للمسلمين فإن جاء سيده بعد بيع كتابته ففداه كان مكاتبا، وإن أسلمه وعجز رق لمبتاعه، وقيل‏:‏ إن أتى سيده، وقد قبض المبتاع بعض الكتابة، وأراد افتكاكه فإن كان المقبوض نصف الكتابة بالقيمة حسبها عليه بنصف الثمن، وكذلك سائر الأجزاء، وعابه عليه بعض الأصحاب، وقال‏:‏ بل يدفع ما ودي، ويأخذ جميع المقبوض من الكتابة، قال ابن القاسم‏:‏ ولو بيع المكاتب في المقاسم ولم يعلم، فإن رد الثمن على مشتريه عاد مكاتبا، وإن عجز خير سيده بين إسلامه رقيقا كالجناية، وإلى هذا رجع سحنون، قال محمد‏:‏ وإن اشتراه من العدو ولم يفده سيده يقال له‏:‏

وف لمشتريك الثمن وأد كتابتك لسيدك ويعتق، وإن اشتري من الغنيمة فأسلمه سيده فلا يلزمه إلا أداء كتابه لسيده ويعتق، وإن عجز رق لمشتريه، قال سحنون‏:‏ وإن أسلم الحربي على مكاتب لمسلم فله كتابته، وإن عجز رق له، وإن أدى فولاؤه للعاقد لها‏.‏

الثامن‏:‏ قال ابن يونس، قال سحنون‏:‏ الموصى بخدمته ثم هو لفلان فأخذه العدو في الخدمة فابتاعه رجل يقال للمخدم‏:‏ افده بالثمن فإذا تمت الخدمة يقال لصاحب الرقبة‏:‏ ادفع إليه ما فداه به، وإلا أسلمه إليه رقيقا‏.‏

التاسع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أسر العدو حرة مسلمة أو ذمية فولدت عندهم، ثم غنمها، فالصغار بمنزلتها ليس فيئا، والكبار إذا بلغوا وقاتلوا فيء، ولو كانت أمة فكبير ولدها وصغيرهم لسيدها، قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الوهاب‏:‏ إذا بلغ ولد الحرة لم يكن فيئا، وإن لم يقاتل، وقال ابن شبلون‏:‏ هم فيء قاتلوا أم لا تغليبا للدار، وقال سحنون‏:‏ جميع ولد الأمة فيء إلا أن تقول تزوجت فولدت فلسيدها، قال مالك‏:‏ ولد الحرة تبع لها في الإسلام كالمسلمة يغصبها النصراني في بلدنا، ولو اغتصبها عبد كان الولد حرا، وقال أشهب‏:‏ ولد الذمية صغارهم وكبارهم فيء، وفي ولد الحرة المسلمة ثلاثة أقوال‏:‏ أحرار في التفرقة بين الصغير والكبير، وفي ولد الأمة ثلاثة أقوال‏:‏ عبيد لسيدها فيء إن كانوا من زوج فلسيدها، أو إن ملكها بالسبي أو غيره ففيء، ومنشأ الخلاف في هذه الفروع‏:‏ النظر إلى تغليب الدار، أو تغليب الإسلام، أو تغليب النسب‏.‏

العاشر‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا أسلم حربي ببلده، وقدم إلينا وترك أهله وماله، ثم غنمنا ذلك فماله وامرأته وولده فيء، قال ابن يونس‏:‏ قال غيره‏:‏ ولده الصغير تبع له وماله له إلا أن يقسم فيأخذه بالثمن وامرأته فيء، قال مالك‏:‏ ولو أسلم فأقام ببلده فدخلنا عليه فماله وولده فيء، وقال أشهب‏:‏ ولده أحرار تبع له وماله له إلا أن يقسم، وامرأته فيء، ولو دخل مسلم وتزوج عندهم، وكسب مالا وولدا فهو مثل الأول، قال محمد‏:‏ وإذا قدم حربي

بأمان، فأسلم وغنم معنا فماله ودوابه ورقيقه وحريمه له، وامرأته وولده الكبير فيء له وللجيش، وينفسخ النكاح للشركة، وولده الصغير تبع له، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا أسلم الحربي وغزا معنا ففيه ثلاثة أقوال‏:‏ المشهور أنه فيء وأخذه قبل القسمة بغير شيء، وبعدها بالثمن، وقال ابن الحارث‏:‏ إن ضموه إلى أملاكهم من حين إسلامه وخرج هو من عندهم ففيء وإلا فلا‏.‏

الحادي عشر‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من ابتاع عبدا من الفيء فدل سيده على مال له أو لغيره بأرض العدو، والعبد كافر أو أسلم أو عتق فإن دله في جيش أخر فالمال للجي‏(‏ش‏)‏ الآخر دون السيد والعبد؛ لأنه باستيلائهم فإن دله قبل قفول المشركين الأول فهو للجيش الأول، وإن نزل بأمان ومعه عبيد المسلمين فباعهم لم يكن لربهم أخذهم بخلاف بيعه إياهم في بلد الحرب؛ لأن الذمي لو وهبهم في بلد الحرب لمسلم فوفر لهم أخذهم بغير ثمن والخارج إلينا لو وهبهم لم يأخذهم ربهم، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا نزل الحربي بأمان فأسلم عبده أو قدم به مسلما لم يمنع من الرجوع إذا أدى ما عليه ولو كان أمه لم يمنع من وطئها، وأنكر هذا ابن خلف من أهل المدينة فقال له مالك‏:‏ ألم تعلم أنه عليه السلام صالح أهل مكة على أن يرد عليهم من جاءه منهم فهرب أبو جندل مسلما إليه عليه السلام فطلبه أبوه من مكة فرده عليه السلام وقال‏:‏ ‏(‏إنا لا نخفر بالعهد‏)‏ وقال عبد الملك‏:‏ يعطي في كل مسلم أوفر قيمته وينزع منه، وأما ما بأيديهم من سبايا المسلمين فيؤخذ منهم بالقيمة، وإن كرهوا، وأبو جندل إنما أسلمه النبي عليه السلام لأبيه، وشفقة الأبوة تأبى الضرر أو؛ لأنه عليه السلام اطلع على عاقبة أمره، وأما ما بأيديهم من أموال المسلمين أو رقيق كافر أو أحرار ذمتنا فلا يؤخذ منهم، وروي عن مالك، وانفرد ابن القاسم بأنه لا يعرض لهم في شيء مما أسلم من رقيقهم أو ما بأيديهم من أسرى المسلمين وسبيهم، ووافقه محمد، قال ابن القاسم‏:‏ إذا أسلم فأحرار الذمة رقيق له، وكذلك العبد المسلم إذا ارتد لا يعرض

له، فإن باعه استتيب فإن تاب وإلا قتل، قال محمد‏:‏ وفي شرائه إشكال، ولو اعترف المستأمن أنه عبد أو ذمي أم مرتد، قال محمد‏:‏ حكم عليه، وقال ابن القاسم‏:‏ لا يقتل، وروي عنه في الرسول يرتد يقتل، قال أصبغ‏:‏ الرسول وغيره سواء، وقال ابن القاسم‏:‏ لو سرق المعاهد عبدا أو حرا ثم قدم ثانية بأمان أخذ منه، كما لو أدى ثم هرب ثم رجع عن أخذهما؛ لأنهما صارا بيد حربي بعد الرحلة عنا‏.‏

الثاني عشر‏:‏ لو أسلم عبد الحربي بقي على ملكه إلا أن يخرج العبد إلينا أو يغنمه وهو مسلم، وسيده مشرك، ولا يرد إلى سيده إن اسلم بعد أخذه، وقد ابتاع الصديق - رضي الله عنه - بلالا فلما أسلم أعتقه والدار دار شرك، وقال أشهب‏:‏ إسلام العبد ببلاد الحرب يزيل ملكه عنه خرج أم لا، وإن اشتري كان فدا واتبع بالثمن، قال ابن القاسم‏:‏ ولو قدم إلينا عبد بأمان معه مال سيده فالمال للعبد؛ لأنه ترك للمغيرة المال الذي أخذه لأصحابه‏.‏

‏(‏تمهيد‏)‏‏:‏ عندنا من أسلم على شيء فهو له، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لربه أخذه بغير ثمن، لنا ما رواه ابن وهب قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏من أسلم على شيء في يديه للمسلمين فهو له‏)‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الإسلام يجب ما قبله‏)‏ ولأن للكافر شبهة ملك فيما جازه لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم‏)‏ ‏[‏الحشر 8‏]‏ فسماهم فقراء بعد هجرتهم، ولهم أموال وديار تحت أيدي الكفار، ولانعقاد الإجماع على عدم الضمان في الاستهلاك‏.‏

التاسع‏:‏ في التأمين

والأصل فيه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا‏)‏ ‏[‏الإسراء 24‏]‏

وقوله عليه عليه السلام‏:‏ ‏(‏المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم‏)‏ وفي ‏(‏الموطأ‏)‏ كتب عمر - رضي الله عنه - إلى عامله‏:‏ إنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون العلج حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع، قال رجل مطرس يقول له‏:‏ لا تخف، فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان أحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ قوله‏:‏ مطرس فارسية وفيه لغتان، الطاء والتاء‏.‏

وفيه ثلاثة أطراف‏:‏ الطرف الأول‏:‏ العاقد، قال اللخمي‏:‏ الأمان في المشركين للأمير خاصة؛ لئلا يفتري عليه، وأجازه محمد من غير الأمير الأعلا أن لا يغزوهم أحد، فإن أمن واحد من المشركين واحدا من الحصن مضى على رأي محمد، ومنعه ابن حبيب، وتقدم الإمام إلى الناس في ذلك، ثم إن أمن أحد قبل النهي أو بعده يخير الإمام في ذلك، قال سحنون‏:‏ وإذا أمن المسلم حربيين أمنوا، ويتخير الإمام، واتفق ابن حبيب وسحنون أن عقده على الإمام وعلى الناس أنه لا

يلزم بل ينظر الإمام، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ أمان العبد والمرأة والصبي إذا عقل الأمان جائز، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال غيره‏:‏ يتخير الإمام بين الإمضاء والرد إلى المأمن؛ لأن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى سفيان بن عامر وهو يحاصر قيسارية‏:‏ من أمن منكم حر أو عبد أحدا من عدوكم فهو آمن إلى أن يرد إلى مأمنه، أو يقيم فيكون على الحكم في الحرية، وإن وجدتم في عسكركم أحدا منهم لم يعلمكم بنفسه حتى قدمتم عليه فلا أمان له ولا ذمة واحكموا فيه بما هو أفضل للمسلمين، قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ لا يجوز أمان الذمي بحال لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏يسعى بذمتهم أدناهم‏)‏ فأضافه إليهم فيكون مسلما، وإن أجاز الإمام الصبي للقتال تخير في إمضاء أمانه وإلا فلا أمان له، قال محمد‏:‏ فإن حسبنا المجير مسلما فهل يردون إلى مأمنهم أو هم فيء‏؟‏ قولان لابن القاسم، قال محمد‏:‏ ولو قالوا‏:‏ علمنا أنه ذمي، وظننا جواز أمانه فهم فيء، قال ابن يونس، قال التونسي‏:‏ وهو ضعيف، والأشهر ردهم إلى مأمنهم في هذا كله، قال ابن سحنون‏:‏ وإن أمن أمير المشركين ذميا بالأمان فأمن فهو جائز، فإن أمن الذمي عن مسلم من العسكر فقال‏:‏ أمنكم فلان المسلم أو قال‏:‏ فلان، فإن علموا أنه ذمي فهم فيء وإلا فهي شبهة، قال ابن سحنون‏:‏ ولو قال الإمام لأهل الحرب‏:‏ من دخل إلينا بأمان فلان من المسلمين أو بأمان أحد من المسلمين فهو ذمي لنا أو رقيق، فكما قال وقول عمر مذهبنا إلا قوله‏:‏ فإن شككتم فإنه فيء وقول سحنون خلاف ما في ‏(‏الكتاب‏)‏ في قوله‏:‏ إذا وجدنا الذمي مقبلا إلينا فيقول‏:‏ جئت لأطلب الأمان يرد إلى مأمنه، قال مالك‏:‏ والإشارة بالأمان كالكلام، وليتقدم إلى الناس في ذلك، قال سحنون‏:‏ وأمان الخوارج لأهل الحرب جائز، وقال أشهب‏:‏ إذا أسر رجل من السرية فلما أحسوا بها طلبوا الأمان من الأسير فأمنهم، إن كان آمنا على نفسه جاز وإلا فلا وهو مصدق، قال محمد‏:‏ وإن اختلف قوله أخذ بقوله الأول، قال سحنون‏:‏ لا

يكون أمانه أمانا ولا أصدقه؛ لأنه ضرر على المسلمين، ولا يقدر الأسير على مخالفتهم، قال ابن القاسم‏:‏ إن أمنهم بالتهديد فلا أمان لهم، فإن قالوا‏:‏ تؤمننا ونخليك فهو أمان، قال ابن حبيب‏:‏ إن أمن العدو أسيرا على أن لا يهرب، فلا يهرب؛ لأنه يؤذي إلى التضييق على الأسرى، ولو خلوه على أن حلف بالطلاق والعتاق جاز الهرب؛ لأنهم يقولون أعتق أو طلق بخلاف الأول ولا يلزمه ذلك؛ لأنه مكره، قال المازري‏:‏ المشهور جواز أمان العبد كالحر، قال سحنون و‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن إذن له سيده في القتال جاز وإلا فلا، وروي عن مالك‏:‏ لا تأمين له، والمشهور عدم اعتبار المرأة بخلاف المراهق، ومنعه ‏(‏ش‏)‏؛ لأن عدم التكليف مخل بالثقة به في المصلحة، وقيل‏:‏ إن أذن له جاز له وإلا فلا، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏ وقيل‏:‏ يصح تأمين الذمي؛ لأنه تبع للمسلمين وكل من أجزنا تأمينه لا يتوقف على تنفيذ الإمام، وقال عبد الملك‏:‏ لا يلزم غير تأمين الإمام، ويشترط في المؤمن التمييز والعقل وعدم الخوف، قال اللخمي‏:‏ اختلف في الأمان بعد الفتح، قال محمد‏:‏ إذا أمن الأسير سقط عنه القتل دون الإسترقاق، وقال سحنون‏:‏ لا يحل قتله لمن أمنه ويتعقبه الإمام، وهو معنى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أجرنا من أجرت يا أم هانئ‏)‏ يوم فتح مكة، وإذا بعث الأمير سرية وجعل ما رأوه صوابا جاز، وإن جعل لهم القتل والسبي لم يتعدوا ذلك، فإن جاءت سرية أخرى من ذلك الجيش أو من بلد لم يكن لهم نقض ذلك، وإن جاءت من بلد آخر وجيش آخر ولا يرجع إلى أمير الأولي فلهم ذلك على رأي سحنون، وليس لهم ذلك على رأي غيره، وإذا خرجت سرية بغير إذن الإمام لم يلزمه ما عقدت‏.‏

الطرف الثاني‏:‏ في المعقود وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ هو الواحد والعدد المحصور وغير المحصور يختص بالسلطان‏.‏

الطرف الثالث‏:‏ نفس العقد وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ ينعقد بصريح اللفظ وكنايته

والإشارة المفهمة، وإن رده الكافر ارتد، ولابد من القبول ولو بالفعل، ولو ظن المسلم أن الكافر أراد الأمان ولم يرده لم يقتل، ولو دخل إلى سفارة لم يفتقر إلى أمان بل القصد يؤمنه، ولو قال الأمير‏:‏ أمنت كل من قصد التجارة صح منه دون الآحاد، وإن ظن الكافر صحته وفي له به، بل لو ظن ما ليس بتأمين تأمينا أمن فلو أمن جاسوسا أو طليعة لم ينعقد، ولا يشترط فيه المصلحة بل يكفي عدم المضرة، وإذا انعقد كففنا عن النفس والأهل والمال، وإذا أمنت المرأة من الاسترقاق صح، ويجب في المبارزة الوفاء بالشروط فلو أثخن المسلم وقصد ترقيقه منعناه على أحد القولين، ولو خرج جماعة لإعانة الكافر باستنجاده قتلناه معهم، وإن كان بغير إذنه لم يعرض له، ولو خرج جماعة لجماعة ففزع بعضهم من قربه جاز له إعانة الآخر كما فعله علي وحمزة - رضي الله عنهما - مع عبيده بن الحارث، ولو قال رجل من الحصن‏:‏ أفتح لكم على حكم رجل صح إن كان عاقلا عدلا بصيرا بمصالح القتال، كما اتفق لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ويصح من الفاسق، ويتعقبه الإمام بالإمضاء أو الرد إلى المأمن ولو حكموا ذميا أو امرأة أو صبيا أو عبدا وهم عالمون به لم يجز حكمهم، وليحكم الإمام بما يراه؛ لأنهم رضوا بأقل المسلمين وهذا أعلا فلا حجة لهم‏.‏

‏(‏تفريع‏)‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا مات عندنا حربي مستأمن وترك مالا، أو قتل فماله وديته لورثته ببلده، وقال غيره ك يدفع إلى حكامهم، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا ظهرنا على ورثته قبل وصوله إليهم فهو فيء لذلك المشركين، وإنما يدفع ماله لورثته إذا استؤمن على أن يرجع أو كان شأنه الرجوع، أما لو استؤمن على الإقامة فماله للمسلمين، وإن جهل الحال فللمسلمين، ولو أودع المستأمن عندنا مالا ثم رجع إلى بلده فمات أو قتل في محاربتنا رد ماله لورثته، ولو أسر ثم قتل

فماله فيء لا يخمس، وإذا قتل العبد المستأمن مسلما أو ذميا عمدا قتل به، أو خطأ فديته على عاقلته متى قدر على ذلك، وهو كالذمي في أحكامه، قال ابن القاسم‏:‏ وإذا داين ثم عاد لبلده فغنمناه وله عندنا ودائع وديون فالذي ببلد الحرب لمن غنمه، والذي ببلد الإسلام لغرمائه، ولو لا غرماؤه لكان لمن غنمه لقوة السبي، وقال غيره‏:‏ يرد ما عندنا لأهله إن لم يكن عليه دين، قال ابن عبدوس‏:‏ إذا سرق المستأمن قطع قياساً على الذمي، وقال أشهب‏:‏ لا يقطع ولا السارق منه لضعف عقده بالتحديد عن عقد الذمة، ولا يحد في القذف قال مالك‏:‏ وإن خصى عبده لا يعتق عليه كما لو أخصاه ببلده، قال أشهب‏:‏ بخلاف الذمي؛ لأنه عليه السلام اعتق على سندر عبده حين أخصاه وجذع انفه، وسندر يومئذ كافر‏.‏

قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ إذا أمن الرجل على أنه حربي فظهر أنه مرتد أو عبد لمسلم أو ذمي، قال ابن القاسم‏:‏ لا يستتاب المرتد ولا يرد العبد إلى سيده، وقال ابن حبيب‏:‏ لا أمان لهما، وقيل‏:‏ لا أمان لهما إلا إن يشترط ذلك، قال‏:‏ والثاني أظهر؛ لأن الشرط مبطل لحق الله تعالى في الردة وحق السيد في الرق، وإن ظهر أنه ولد مسلم في دار الحرب فثلاثة أقوال‏:‏ الاستيتاب، قاله ابن القاسم تغليبا للدار، وقيل‏:‏ يحكم له بحكم الأب، وقيل‏:‏ إن كان الولد مقيما معه ببلد الحرب وهو فيه على وجه الملك لا على وجه الجزية لا تراعى يده عليه، وإن ولده في بلد الإسلام، قال ابن القاسم‏:‏ يقتل ولا يستتاب إن أبى الإسلام؛ لأن ولادته ببلد الإسلام شبهة تمنع رقه، وإذا أسلم بعض الرسل، قال مالك‏:‏ وابن القاسم يرد، وقال ابن حبيب‏:‏ لا يرد، وإن اشترطوا الرد، وقيل‏:‏ لا يرد إلا أن يشترطوا الرد، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أسلمت الرهائن، قال مالك‏:‏ يردون، قال ابن القاسم‏:‏ كانوا

أحرار أو عبيدا، وقال غيره‏:‏ لا يردون، وإن اشترطوا؛ لأن رده عليه السلام أبا جندل منسوخ بقوله‏:‏ ‏(‏وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء‏)‏ ‏[‏الأنفال 58‏]‏ ونحن نخاف على المردودين‏.‏

العاشر‏:‏ في المهادنة والنظر في شروطها وأحكامها

النظر الأول‏:‏ في الشروط

وهي أربعة‏:‏

الأول‏:‏ الحاجة إليه، قال المازري‏:‏ فإن كان لغير حاجة مصلحته لا يجوز لوجوب القتال إلى غاية إعطاء الجزية، وإن كان لمصلحة نحو العجز عن القتال مطلقا أو في الوقت الحاضر فيجوز بعوض أو بغير عوض على وفق الرأي السديد للمسلمين؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن جنحوا للسلم فاجنح لها‏)‏ ‏[‏الأنفال 61‏]‏ وصالح عليه السلام أهل مكة‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن لا يتولاه إلا الإمام‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ خلوه عن شرط فاسد، كترك مسلم في أيديهم، أو بذل مال من غير خوف‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ أن لا يزاد على المدة التي تدعو إليها الحاجة في اجتهاد الإمام، وقال أبو عمران‏:‏ يستحب أن لا يزيد على أربعة أشهر إلا مع العجز؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فسيحوا في الأرض أربعة أشهر‏)‏ ‏[‏التوبة 2‏]‏ فإن استشعر جبانة فله نبذ العهد قبل المدة‏.‏

النظر الثاني‏:‏ في حكمه

في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يجب الوفاء بالشروط الصحيحة، ولا يجوز أن يشترط‏:‏ من جاءنا منهم مسلما أو مسلمة رددناه إليهم، قال المازري‏:‏ عندنا يرد من جاء مسلما وفاء بالعهد من الرجال دون النساء؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فلا ترجعون إلى الكفار‏)‏ ‏[‏الممتحنة 10‏]‏ ولأن ردتهن أقرب، وقيل‏:‏ يمنع الجميع لحرمة الإسلام‏.‏

الحادي عشر‏:‏ في الجزية

وفيه فصلان‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في العقد ويتجه الفقه فيه في سبعة مباحث‏:‏

البحث الأول‏:‏‏[‏تقريرهم في ديارهم‏]‏

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ هو التزام تقريرهم في ديارهم وحمايتهم والدرء عنهم بشرط بذل الجزية والاستسلام، والأصل فيه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله‏)‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏(‏من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون‏)‏ ‏[‏التوبة 29‏]‏ وينبغي تعيين مقدار الجزية وقبولهم ذلك، فإن لم يعين نزلوا على مقدار جزية أهل العنوه، وهو ما قدره عمر - رضي الله عنه - وإذا وقع العقد فاسدا فلا نقتلهم ونلحقهم بمأمنهم‏.‏

البحث الثاني‏:‏ في العاقد وهو الإمام

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يجب عليه إذا بذلوه ورآها مصلحة إلا أن يخاف غائلتهم، ولو عقده مسلم بغير إذن الإمام لم يصح، لكن يمنع الاغتيال‏.‏

البحث الثالث‏:‏ في المعقود له

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ وهو كل كافر ذكر بالغ حر قادر على أداء الجزية، يجوز إقراره على دينه ليس مجنونا ولا مغلوبا على عقله ولا مترهبا منقطعا في دير، قال في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ هذا ظاهر المذهب، وروى عن مالك استثناء الفرس لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏من الذين أتوا الكتاب‏)‏ وهم لا كتاب لهم، واستثنى ابن الجهم‏:‏ كفار قريش إما إكراما لهم عن صغار الجزية، أو لأنهم أسلموا يوم الفتح، واستثنى ابن وهب‏:‏ مجوس العرب، وعبد الملك و‏(‏ش‏)‏ من

ليس بكتابي، و‏(‏ح‏)‏‏:‏ مشركي العرب لتوهم إسلامهم، وأما الصبي والمرأة والعبد والمجنون والمترهب فتبع لا جزية عليهم، والفقير يقر مجانا، وقيل‏:‏ تجب عليه لصيانة دمه، وتؤخذ من الصبي عند بلوغه، ولا تقبل من المرتد؛ لأنه لا يقر على دينه، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ قال مطرف وعبد الملك‏:‏ إنما تسقط الجزية عن الراهب في مبدأ حملها أما من ترهب بعد ضربها فلا، قال ابن يونس‏:‏ لا يقبل من العرب إلا الإسلام إلا من دخل منهم في مكة، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قال مالك‏:‏ من انتقل من العدو إلى بلد الإسلام ضربت عليه الجزية، وهو بالخيار بين الإقامة والرجوع إلى بلده، واستحسنه ابن القاسم، وقال محمد‏:‏ يسقط خيارة بعد التزامها، وإذا اعتق النصراني عبده، قال ابن القاسم‏:‏ تلزمه الجزية، وليس له الخروج منها، قال أشهب‏:‏ لا جزية عليه؛ لأنه مروي عن علي - رضي الله عنه - فإن أعتقه مسلم، قال مالك‏:‏ لا جزية عليه لئلا يضربه العتق، قال ابن الحبيب‏:‏ الأحسن أخذها منه والذمي أن ينقل جزيته من بلد إلى بلد من بلاد الإسلام‏.‏

البحث الرابع‏:‏ البقعة

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يقرون في سائر البقاع إلا في جزيرة العرب، وهي‏:‏ مكة والمدينة واليمن في رواية عيسى، ومن أقصى عدن وما والاها إلى اليمن كلها إلى ريف العراق في الطول، ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام، ومصر في المغرب والمشرق، وما بين يثرب إلى منقطع السماوة في رواية ابن حبيب، ولا يمنعون من الاجتياز بها مسافرين‏.‏

فائدة‏:‏ الجزيرة مأخوذة من الجزر الذي هو القطع، ومنه الجزار لقطعه أعضاء الحيوان، والجزيرة لانقطاع المياه عن أوساطها إلى أجنابها، وجزيرة العرب قد احتف بها بحر القلزوم من جهة المغرب، وبحر فارس من جهة المشرق، وبحر الهند من جهة الجنوب، فسميت جزيرة لذلك‏.‏

قال المازري إذا لم يأمن الإمام رجوعهم عن العقد لمجاورتهم العدو نقلهم من ديارهم إلى حيث يأمن وإلا فلا‏.‏

البحث الخامس‏:‏ في تفصيل ما يجب عليهم

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ وهو أربعة الأول الجزية فلو أقرهم من غير جزية أخطأ، ويخيرون بين الجزية والرد إلى المأمن وأكثر الجزية أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق، ولا يزاد على ذلك ويخفف على الضعيف بالاجتهاد، قال ابن القاسم‏:‏ لا ينقصون من فرض عمر - رضي الله عنه - لعسر ولا يزاد لغني، وقال القاضي أبو الحسن‏:‏ لا حد لأقلها؛ لأن فعل عمر - رضي الله عنه - إنما كان بالاجتهاد فيجتهد غيره من الأئمة بحسب الحال، وقيل‏:‏ أقلها دينار أو عشرة دراهم، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ دينار على الغني والفقير

لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏خذ من كل حالم دينارا‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ على الغني ثمانية وأربعون درهما، والمتوسط أربعة وعشرون، والفقير اثنا عشر درهما‏.‏

ويزاد ولينقص على قدر طاقتهم تنبيه الدنانير عندنا خمسة ثلاثة‏:‏ اثنا عشر درهما وهي دنانير الدماء في الدية والسرقة والنكاح، واثنان عشرة دراهم الزكاة والجزية‏.‏

‏(‏تمهيد‏)‏‏:‏ الجزية مأخوذة من الجزاء الذي هو المقابلة، والمأخوذ عند الأصحاب مقابل للدم، ويرد عليه أنه اقتضى عصمة الأموال والذراري، وهي غير مستحقة القتل فليس حقن الدم هو كل المقصود، ويعزى للشافعية أنها أجرة الدار، ويرد عليه أن المرأة تنتفع بالدار ولا جزية عليها، والمتجه أن يقال‏:‏ هي قبالة جميع المقاصد المرتبة على العقد سؤال عادة الشرع دفع أعظم المفسدتين بإيقاع أدناهما، وتفويت المصلحة الدنيا لتوقع المصلحة العليا، ومفسدة الكفر توفي على مصلحة المأخوذ من أموال الكفار جزية، بل على جملة الدنيا فلم أقرهم

الشرع على الكفر بهذا النزر اليسير‏؟‏ ولم لاحتم القتال درءا لمفسدته‏؟‏ جوابه‏:‏ أن هذا من باب التزام المفسدة الدنيا لتوقع المصلحة العليا، وذلك أن الكافر إذا قتل أنسد عنه باب الإيمان ومقام السعادة، فشرع الله تعالى الجزية رجاء أن يسلم في مستقبل الزمان، ولا سيما مع إطلاعه على محاسن الإسلام، وإن مات على كفره فيتوقع ذلك من ذريته وذرية ذريته إلى يوم القيامة، وساعة من إيمان تعدل دهرا من كفر، ولذلك خلق الله تعالى آدم على وفق الحكمة وأكثر ذريته كفار، فعقد الجزية من آثار رحمته تعالى، قال‏:‏ فلو أسلم أو مات بعد سنة سقطت عنه إذا اجتمعت عليه سنون، قال أبو الوليد‏:‏ إن كان أقر أخذت منه أو لعسر فلا تؤخذ ولا تثبت في ذمته بالعجز؛ لأن الفقير لا جزية عليه، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إذا أسلم بعد وجوبها أخذت منه بناء على أنها أجرة، وعندنا بدل من سفك الدم، وحضا على الإسلام بالصغار لنا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون‏)‏ ‏[‏التوبة 29‏]‏ فشرط في إعطائها الصغار، وهو ممتنع على المسلم، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ على إذلال الذمي حالة الأخذ منه والكراء لا يقتضي الهوان، وفي ‏(‏المقدمات‏)‏ قال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ وهو الظاهر من المذهب وجوبها بآخر الحول وليس عن مالك نصا، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ بأول الحول عند العقد ثم بعد ذلك عند أول كل حول؛ لأنها بدل الدم، وقد سلم لهم المبدل فيجب البدل، وجوابه‏:‏ أنها تؤخذ لصيانتهم سنة ولم تحصل‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ الضيافة وأرزاق المسلمين؛ لأن عمر - رضي الله عنه - فرض مع الدنانير مدين من حنطة عن كل نفس في الشهر، وثلاثة أقساط زيتا على من كان بالشام، والجزية على من كان بمصر أردب حنطة في كل شهر، وقال‏:‏ ولا أدري كم من الودك والعسل‏؟‏ وعليهم من الكسوة التي كان عمر - رضي الله عنه - يكسوها الناس، وعلى أن يضيفوا من مر بهم ثلاثة أيام، وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعا كل شهر على

كل رجل مع كسوة معروفة، قال‏:‏ ولا أدري كم قدرها‏؟‏ قال مالك‏:‏ وأرى أن يوضع عنهم اليوم من الضيافة والأرزاق لما حدث عليهم من الجور‏.‏

الثالث‏:‏ الإهانة في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ تؤخذ منهم على وجه الإهانة والصغار امتثالا لأمره تعالى‏.‏

الرابع‏:‏ العشر في التجارة، والأصل فيه قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ليس على المسلمين عشر، إنما العشر على اليهود والنصارى‏)‏ وقال عمر - رضي الله عنه - لأهل الذمة‏:‏ إذا اتجرتم في بلادكم فليس عليكم إلا الجزية، وإذا اتجرتم إلى غيرها أخذ منكم العشر، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يؤخذ العشر من تجار الحربيين ولا يؤخذ من الذمي إلا أن يتجر في غير أفق عقد جزيته فتؤخذ منه كلما دخل، ولو دخل مرارا في السنة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا تؤخذ من السنة إلا مرة كالجزية‏.‏ لنا فعل عمر - رضي الله عنه - ولتكرر الانتفاع والحكم، فيتكرر بتكرر سببه، واختلف هل المأخوذ عما يعتاضون - وهو رأي ابن القاسم - أو عما يدخلون به‏؟‏ قال ابن حبيب‏:‏ وسبب الخلاف أن المأخوذ لحق الانتفاع في القطر أو الوصول إليه، وتفرع على ذلك فرعان‏:‏ الأول‏:‏ لو دخلوا ببضاعة أو عين فأرادوا الرجوع قبل البيع أو الشراء، قال ابن حبيب‏:‏ يجب عليهم العشر كالحربيين، وابن القاسم لا يوجبه، الثاني‏:‏ لو دخلوا بإماء فإن ابن حبيب يمنعهم الوطء والاستخدام، ويحول بينهم وبينهن لشركة المسلمين معهم، خلافا لابن القاسم، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا قلنا لا يؤخذ منهم إلا بعد الشراء، قال مالك‏:‏ إن قدم بعين فاشترى به سلعة أخذ منه عشر السلعة، وقيل‏:‏ عشر ثمنها، وقيل‏:‏ إن كانت تنقسم فعشرها وإلا فعشر قيمتها، ويدل على الأول‏:‏ أن لو أخذنا عشر قيمتها كان مشتريا منا عشر السلعة فهي سلعة

ثانية فيتسلسل، ولو قدم بفضة ليصرفها أو بثياب لصبغها ترك عشرها بغير صبغ ولا صرف، فإن لم ينظر في ذلك حتى عمل الجميع أخذ منه قيمة العشر غير معمول، فإن باع واشترى بعد ذلك في البلد أو في بلد آخر من ذلك الأفق‏:‏ لم يؤخذ منه شيء، قال محمد‏:‏ لا شيء عليه في الذي صبغه أو ضربه، قال ابن القاسم‏:‏ يؤخذ من الحربي عشر المعمول، وإذا أكرى الذمي إبله من بلد إلى غيره أخذ عشر كرائه في المكرى إليه، وقال ابن القاسم‏:‏ لا يؤخذ منه شيء إلا من كراء الرجوع إلى بلده، وقال أشهب‏:‏ لا شيء عليه لجلاب إبله وأولادها، وقال محمد‏:‏ يؤخذ منه سواء أكرى من بلده أو من غيره، وقيل‏:‏ يسقط الكراء على قدر مسيره فيما سار في بلاده سقط، ويختلف إذا أسلم في سلعة ليقبضها بغير بلده هل يراعي موضع العقد أو موضع القبض‏؟‏ وإذا تجر عبيد أهل الذمة أخذ منهم إلا عشر واحد كالأحرار لحصول المنفعة، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ لو باعوا في بلد واشتروا فيه لم يؤخذ منهم إلا عشر واحد، ولو باعوا في أفق ثم اشتروا في آخر بالثمن فعشران لتعدد المنتفع فيه، وهو سبب العشر، ويخفف عن أهل الذمة فيما حملوه إلى مكة والمدينة من الزيت والحنطة خاصة، فيؤخذ منهم نصف العشر؛ لأن عمر - رضي الله عنه - كان يأخذ العشر من القطنية ونصف العشر من الحنطة والزيت، وروى ابن نافع العشر قياسا على غيرهما، ولأن ذلك إنما كان لتكثير الحمل إليهما، وقد اتسع الإسلام، وإذا دخل الحربي بأمان مطلق اخذ منه العشر لا يزاد عليه إلا أن يشترط عند العقد، فلو نزل الذمي بالخمر وما يحرم علينا، قال مالك‏:‏ يؤخذ منه العشر بعد البيع فإن خيف خيانتهم جعل عليهم أمين، قال ابن نافع‏:‏ ذلك إذا جلبوه لأهل الذمة لا لأمصار المسلمين التي لا ذمة فيها،

وقال ابن حبيب‏:‏ يريق الوالي الخمر ويقتل الخنزير، ولا يجوز إنزالهم على بقاء ذلك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ مشهور المذهب‏:‏ أنهم مخاطبون بالفروع فتكون مباشرتهم لذلك منكرا تحب إزالته وتفسد المعاوضة فيه، ولا ينقل الثمن عن ملك المشتري فيتضح قول ابن حبيب، ويشكل قول مالك، وقال‏:‏ إذا انتقل الذمي من قطر إلى قطر كمصر والشام فأوطن الثاني ثم قدم بتجارة للأول، قال ابن القاسم‏:‏ لا يؤخذ منه شيء؛ لأنه ببلد عقد ذمته، ويؤخذ منه إذا رجع إلى الثاني، قال أصبغ‏:‏ ذلك إذا لم تحول جزيته فلو اشترى الذمي، وأخذ منه العشر ثم استحق ما بيده أورد بالعيب رجع بالعشر، قال ابن سحنون‏:‏ وإذا غلب على الذمي دين المسلم، قال أشهب‏:‏ لا يؤخذ منه العشر ولكن لا يصدق فيه، ولا يسقط العشر دين الذمي، قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ إذا نزل الروم برقيق فصلحناهم على عشر ما معهم منه، فأسلم الرقيق أخذ منهم ما صولحوا عليه، ولهم الرجوع بهم، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ليس الذي يؤخذ من أهل الحرب بمعلوم إنما هو ما يصالح عليه، وقال فضل بن مسلمة‏:‏ إن كانت لهم عادة حملوا عليها، وإذا نزلوا ولم يبيعوا، قال ابن القاسم‏:‏ يؤخذ منهم ما صولحوا عليه باعوا أم لا بخلاف الذمي؛ لانتفاعهم بالنزول الذي لا يستحقونه، والذمي يستحق المسعى في آفاق الإسلام إنما العشر عليه للانتفاع بتنمية المال، وسوى ابن نافع‏.‏

البحث السادس‏:‏ فيما يجب علينا بمقتضى العقد

في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ هو وجوب الذب عنهم، وصيانة أنفسهم وأموالهم، وترك كنائسهم وخمورهم وخنازيرهم، فإن أظهروا خمرا أهرقناها، وإلا فيضمنها المسلم، وقيل‏:‏ لا يضمن ولو غصبها وجب ردها، ويؤدب من أظهر الخنزير، ولو باع الأسقف عرصة أو حانوتا من كسبه جاز إن كان البلد صلحا، ولم يجز إن كان عنوة، ولا يجوز في أحباسهم إلا ما يجوز في أحباسنا، ولا يحكم حاكم المسلمين في منع بيع الكنائس ولا برده ولا يعاد

جنسها؛ لأن التصحيح خلاف الشرع والإبطال خلاف العقد، وإن اتفقوا في التحاكم إلينا فالحاكم مخير بين الحكم والترك، وقيل‏:‏ لا يحكم بينهم إلا برضا أساقفتهم؛ لأنه فساد عليهم، ومستند المذهب قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم‏)‏ ‏[‏المائدة 42‏]‏ ومتى تعلقت الحكومة بمسلم وجب الحكم تغليبا للإسلام، قال يحيى بن عمر‏:‏ وكذلك مختلفا الملة لعدم اتحاد الأساقفة فليس أحدهما أولى من الآخر فيسقطون، فإن ترافعوا إلينا في التظلم حكمنا بينهم على كل حال للزوم ذلك إلينا بالإسلام، ولهم بالعقد؛ لأنه من الذب عنهم‏.‏

البحث السابع‏:‏ فيما يلزمهم بمقتضى العقد

وهو ثلاثة أنواع‏:‏

النوع الأول‏:‏ الكنائس لا يمكنون من بنائها في بلد بناها المسلمون أو ملكوها عنوة ويجب نقض كنائسها، فإن فتحت صلحا على أن يسكنوها بالخراج ورقاب الأبنية للمسلمين، وشرطوا إبقاء كنيسة جاز، وإن شرطوا الدار لهم وعليهم خراج، ولا تنقض الكنائس فذلك لهم، ثم يمنعون من رمها خلافا ل ‏(‏ش‏)‏، قال عبد الملك‏:‏ إلا أن يكون ذلك شرطا، والمدرك‏:‏ أنها من المنكرات، والعين التي تناولها العقد قد انهدمت، والعود لم يتناوله العقد فهو منكر تجب إزالته، ويمنعون من الزيادة الظاهرة والباطنة، وقيل‏:‏ لهم الترميم؛ لأنه من جملة أغراضهم الملزمة كعصير الخمر، وإن اشترط أهل الصلح أحداث كنيسة، قال عبد الملك‏:‏ هذا الشرط باطل، إلا في بلدهم الذي لا يسكنه المسلمون معهم فهو لهم، وإن لم يشترطوه، وأما أهل العنوة فلا يمكنون من ذلك، وإن كانوا معتزلين عن بلادنا؛ لأن قهرنا لهم أزال ذلك والتمكن منه فلا نعيده، ولا يمنع أهل الصلح من إظهار الخمر والناقوس ونحوه داخل كنائسهم، ويمنعون خارجها، ومن حمل الخمر من قرية إلى قريتهم التي يسكنونها مع المسلمين منع، وتكسر الخمر إن ظهرنا عليها،

وإن قالوا‏:‏ لا نبيعها من مسلم، وإن اظهروا ناقوسا كسرناه، وإن وجدنا سكرانا أدبناه، وإن اظهروا صلبهم في عيد أو استسقاء كسرناها وأدبناهم، ويخفون أصوات نواقيسهم وقراءتهم في كنائسهم‏.‏

النوع الثاني‏:‏ يمنعون من ركون البغال والخيل النفيسة دون الحمير بالأكف عرضا دون السروج، إما لأنه شرط في العقد، أو لأن الصغار يأبى ذلك‏.‏

النوع الثالث‏:‏ يمنعون من جادة الطريق، ويضطرون إلى المضيق إذا لم يكن الطريق خاليا، لما يروى عنه عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا تبدؤهم بالسلام، والجؤهم إلى أضيق الطريق‏)‏ ولا يتشبهون بالمسلمين في الزي، ويؤدبون على ترك الزنانير؛ لأن اللبس يؤدي إلى تعظيمهم دون تعظيم المسلمين، ولا يدخلون المساجد وأمر عمر بن عبد العزيز أن يختم في رقاب رجال أهل الذمة بالرصاص، ويظهرون مناطقهم، ويجزوا نواصيهم، ويركبوا على الأكف عرضا، وقال عمر رضي الله عنه‏:‏ سموهم ولا تكنوهم، وأذلوهم ولا تظلموهم، ونهى أن يتخذ منهم كاتبا، قال الله تعالى‏:‏ لا ‏(‏تتخذوا بطانة من دونكم‏)‏ ‏[‏آل عمران 118‏]‏ ونهى عنه عثمان - رضي الله عنه - وكتب عمر - رضي الله عنه - أن يقاموا من الأسواق، وقاله مالك‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ فيما يوجب نقض العهد وما لا يوجب

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا أظهروا معتقدهم في المسيح أو غيره أدبناهم ولا ينتقض به العهد، وإنما ينتقض بالقتال، ومنع الجزية والتمرد على الأحكام، وإكراه المسلمة على الزنا فإن أسلم لم يقتل؛ لأن قتله لنقض العهد لا للحد، وكذلك التطلع إلى عورات المسلمين، وأما قطع الطريق والقتل الموجب للقصاص فكحكم المسلمين، وتعرضهم له عليه السلام أو لغيره من الأنبياء يوجب القتل إلا أن يسلم، وروي

يوجع أدبا ولا يترك، فإن رجع عن ذلك قبل منه، وأما المسلم إن كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزر، أو كذبه فمرتد، وإن سب الله تعالى أو رسوله عليه السلام أو غيره من الأنبياء - عليهم السلام - قتل حدا، ولا تسقطه التوبة، فإن إظهار ذلك منه يدل على سوء باطنه فيكون كالزنديق لا تعلم توبته، وقيل‏:‏ هو كالمرتد، قال اللخمي‏:‏ إن زنى بالمسلمة تطوعا لم ينتقض عهده عند مالك، وانتقض عهده عند ربيعة وابن وهب، وإن غرها بأنه مسلم فتزوجها فهو نقض عند ابن نافع، وإن علمت به لم يكن نقضا، وإن طاوعته الأمة لم يكن نقضا، وإن اغتصبها، قال محمد‏:‏ ليس بنقض وفيه خلاف قال‏:‏ فإن عهد على أنه متى أتى بشيء من ذلك فهو نقض انتقض عهده بذلك، وإن عهد على أنه يضرب ويترك فهو كذلك وفاء بالعهد، قال ابن حزم في ‏(‏مراتب الإجماع‏)‏‏:‏ اختلف العلماء في نقض عهد الذمي وقتله وسبي أهله وماله إذا أخل بواحد مما نذكره‏:‏ وهو إعطاء أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري، صرف كل دينار‏:‏ اثنا عشر درهما، وأن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة، ولا يجددوا ما خرب منها، ولا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم وبيعهم ليلا أو نهارا، ويوسعوا أبوابها للنازلين، ويضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا، وإن لا يأووا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يمنعون الدخول في الإسلام، ويوتروا المسلمين، ويقوموا لهم من المجالس، ولا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم ولا فرق شعرهم، ولا يتكلموا بكلامهم، ولا يتكنوا بكناهم، ولا يركبوا السروج ولا يتقلدوا شيئا من السلاح، ولا يحملوه مع أنفسهم، ولا يتخذوه، ولا ينقشوا في خواتمهم بالعربية، ولا يبيعون الخمر، ويجزون مقادم

رءوسهم، ويشدون الزنانير، ولا يظهرون الصليب، ولا يجاورون المسلمين بموتاهم، ولا يظهرون في طريق المسلمين نجاسة، ويخفون النواقيس وأصواتهم، ولا يظهرون شيئا من شعائرهم، ولا يتخذون من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين، ويرشدون المسلمين ولا يطلعون عليهم عدوا، ولا يعرفون مسلما شيئا من كفرهم، ولا يسبوا أحدا من المسلمين فأحرى الأنبياء عليهم السلام، ولا يظهرون خمرا ولا نكاح ذات محرم، وأن يسكنوا المسلمين بينهم فمتى أخلوا بواحد من هذه‏:‏ اختلف في نقض عهدهم وقتلهم وسبيهم‏.‏

‏(‏تمهيد‏)‏‏:‏ هذه القيود إما أن تكون اشترطت عند العقد، أو استفيدت من قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وهم صاغرون‏)‏ وعلى التقديرين، فقد يسبق إلى خاطر الفقيه أن نقض العهد بواحد منها متجه، وإن مذهب الجمهور على خلاف الدليل، وليس كذلك وكشف الحجاب عن الحق في المسألة أن نقول‏:‏ عقد الجزية عاصم للدماء كالإسلام، وقد ألزم الله تعالى المسلم سائر التكاليف في عقد إسلامه كما ألزمنا الذمي هذه الشروط في عقد أمانه، فكما انقسم رفض التكليف في الإسلام إلى ما ينافي الإسلام ويبيح الدماء والأموال كرمي المصحف في القاذورات، وانتهاك حرمة النبوات، وإلى ما ليس بمناف للإسلام وهو ضربان‏:‏ كبائر توجب التغليظ بالعقوبة، ورد الشهادة، وسلب أهلية الولاية، وصغائر توجب التأديب دون التغليظ فكذلك عقد الجزية تنقسم شروطه إلى ما ينافيه كالقتال والخروج عن أحكام السلطان، فإن ذلك مناف للأمان والتأمين، وهما مقصود العقد، وإلى ما ليس بمناف للأمان والتأمين، وهو عظيم المفسدة فهو كالكبيرة بالنسبة إلى الإسلام كالحرابة والسرقة، وإلى ما هو كالصغيرة بالنسبة إلى الإسلام كسب المسلم وإظهار الترفع عليه، فكما أن هذين القسمين لا ينفيان الإسلام، ولا يبطلان

عصمته للدماء والأموال، فكذلك لا يبطلان عصمة عقد الجزية، ولا يبطلانه لعدم منافاتها له، والقاعدة‏:‏ أنه لا يبطل عقدا من العقود إلا ما ينافي مقصوده، فكذلك ههنا فبهذا التقدير يظهر إشكال في إكراه المسلمة على الزنا، وجعله ناقصا بل إلحاقه بالحرابة متجه بطريق الأولى لعموم مفسدة الحرابة في النفوس والأبضاع والأموال، وعدم اختصاص ذلك بواحد من الناس، فعلى هذا التقدير تخرج مسائل هذا الباب، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ وإذا تلصص الذمي فقتل وأخاف السبيل فهو كالمحارب المسلم في حكمه، فإن خرجوا نقضا للعهد وامتنعوا في غير ظلم، والإمام عادل فهم فيء كما فعل عمرو بن العاص بالإسكندرية لما عصب عليه بعد الفتح، قال التونسي‏:‏ لم يجعل القتل في الحرابة نقضا وهو يقول‏:‏ غصب المسلمة على الوطئ نقض، وهو مشكل إلا أن يكون العهد اقتضاه، قال ابن القاسم‏:‏ فإن كان لظلم ردوا إلى ذمتهم، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن مسلمة‏:‏ حرابة الذمي نقض للعهد، ولا يؤخذ ولده لبقاء العهد في حقه بخلاف ماله إلا أن يكون من الحرابة؛ لأنه في ذمته، وقال الداودي‏:‏ إن كان من ظلم فهو نقض؛ لأنهم لم يعاهدوا أن يظلموا من ظلمهم، وروي أن عمر - رضي الله عنه - أخبر أن ذميا نخس بغلا عليه مسلمة فوقعت فانكشفت عورتها، فأمر بصلبه في ذلك الموضع، وقال‏:‏ إنما عاهدناهم على إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، وإن يهوديا دهن ناقته، وعليها امرأة فوقعت فانكشفت فقتله ابنها فأهدر دمه، قال ابن حبيب‏:‏ إذا غصب مسلمة فلها الصداق من ماله والولد على دين أمه، ولو أسلم لم يقتل، وروي عن عمر - رضي الله عنه - نقض عهده بذلك، قال ابن القاسم‏:‏ إذا حاربت الذمة وظفر بهم، والإمام عدل قتلوا وسبي نساؤهم، ولا يعرض لمن يظن أنه مغلوب معهم كالشيخ الكبير والضعيف، ولو ذهبوا لبلد الحرب نقضا للعهد وتركوا أولادهم لم يسبوا بخلاف إذا ذهبوا بهم، إلا أن يكون ذلك لظلم أصابهم إلا أن يعينوا علينا المشركين فهم كالمحاربين، وقال أيضا‏:‏

إذا حاربوا والإمام عدل‏:‏ استحل سبيهم وذراريهم إلا من يظن انه مغلوب كالضعفاء، ولم يستثن أصبغ، وألحق الضعفاء بالأقوياء في النقص كما اندرجوا معه في العقد، ولأنه عليه السلام سبى ذراري قريظة ونساءهم بعد النقص كما اندرجوا بالعهد، قال ابن القاسم‏:‏ إذا استولى العدو على مدينة للمسلمين فيها ذمة فغزونا معهم واعتذروا بالقهر الذي لا يعلم إلا بقولهم، فمن قتل منهم مسلما قتل وإلا أطيل سجنه، وإذا نقضوا العهد، وقد سرقوا أموالا وعبيدا، ثم صالحونا على العود للذمة، فأن لم يطلع على السرقة إلا بعد الصلح خيرهم الإمام بين ردها وبين عودهم إلى الجزية، وإن اشترطوها فلا كلام له، وكذلك ما أخذوه في الحرابة بعد النقص، قال المازري‏:‏ وينتقض العهد إذا صار علينا للحربيين‏.‏

الثاني عشر‏:‏ في المسابقة والرمي

وفيه فصلان‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في المسابقة

وفي الترمذي قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر‏)‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‏)‏ ‏[‏الأنفال 60‏]‏ والسبق بسكون الباء‏:‏ الفعل، وبفتحها‏:‏ ما يجعل للسابق، وفي مسلم‏:‏ سابق عليه السلام بالخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان آخرها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وفي البخاري‏:‏ قال عليه السلام ‏(‏من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن من أن يسبق فليس قمارا، ومن أدخل فرسا بين فرسين، وقد أمن أن يسبق فهو قمار‏)‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن المسيب‏:‏ لا بأس برهان الخيل إذا كان فيها محلل يخرج هذا سبقا وهذا سبقا

ويدخل بينهما ثالث، لا يخرج شيئا، فإن سبق المحلل أخذ، وإن سبق لم يأخذ، قال ابن عبد الحكم‏:‏ إذا سبق أخذ سبق الرجلين، وإن لم يسبق هو وسبق أحدهما أخذ سبق صاحبه ولا شيء للمحلل، وهذا لا يقوله مالك، وإنما يجوز عنده أن يجعل الرجل سبقه خارجا بكل حال، فإن تسابق رجلان وجعل ثالث سبقا للخارج منهما‏:‏ فإن سبق هو كان السبق للمصلي، وإن كانت خيلا كثيرة، وكذلك الرمي، ويجوز عمل سرادق من دخله أولا سبق، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ المسابقة عقد لازم يشترط في عوضه ما يشترط في عوضه، وليس من شرطه استواؤه من الجانبين، وله ثلاث صور‏:‏ الأولى أن يجعل الوالي أو غيره محللا للسابق، والثانية أن يخرجه أحد المسابقين، والثالث أن يخرج كل واحد منهما شيئا من سبق أخذهما، فلا يختلف في إباحة الأولى، وأما الثانية فإن كان المخرج لا يعود إليه المخرج بل إن سبق أخذه السابق أو سبق كان لمن يليه، أو لمن حضر إن لم يكن معهما غيرهما فجائز، قال الأستاذ أبو بكر‏:‏ هذا على قوله المشهور إن السبق لا يعود، وعلى القول الآخر إن السبق لمن سبق من مخرجه أو غيره، كما رواه ابن وهب عنه لا يكون طعمه لمن حضر بل للسابق، ولو شرطه طعمه لمن حضر لم يجز عند معظم العلماء، وإن شرط رجوعه إلى مخرجه إن سبق فرويت الكراهة، وأخذ بها ابن القاسم، وروى ابن وهب الجواز، وأما الثالثة إن لم يكن معهما غيرهما فلا يجوز قولا واحدا فإن كان معهما من لا يأمنان أن يسبقهما يغرم إن سبق، ولا يغرم إن سبق، والمشهور عن مالك المنع، وروي الجواز، ويشترط تعيين الغاية والموقف إلا أن يكون لهم عادة فتتعين ويتعين الخيل دون معرفة جريها وراكبها، وكره مالك حمل الصبيان عليها خشية العطب، قال صاحب الإكمال يشترط أن تكون الخيل متقاربة الحال، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ ولا تجوز السابقة بالعوض إلا في الخيل أو الركاب أو في الخيل والركاب، وتجوز بالعرض بغير عوض في غير

ذلك مما ينتفع به في نكاية العدو ونفع المسلمين، كالسفن والطير لتوصيل الأخبار، وأما طلب المغالبة‏:‏ فلا يجوز، وتجوز المسابقة على الأقدام، وفي رمي الحجارة، ويجوز الصراع لقصد الرياضة للحرب بغير عوض‏.‏

‏(‏قاعدة‏)‏‏:‏ لا يجتمع في الشرع العوضان في باب المعاوضة لشخص واحد، ولذلك منعنا الإجارة على الصلاة ونحوها لحصولها مع عوضها لفاعلها، وحكمة المعاوضة انتفاع كل واحد من المتعارضين بما بذل له، والسابق له أجر التسبب إلى الجهاد فلا يأخذ السبق‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏‏:‏ المسابقة مستثناة من ثلاث قواعد‏:‏ القمار، وتعذيب الحيوان لغير مأكله، وحصول العوض والمعوض لشخص واحد على الخلاف المتقدم، واستثنيت من هذه القواعد لمصلحة الجهاد‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏‏:‏ أسماء الخيل في حلبة السباق عشرة، يجمعها قول الشاعر‏:‏

أتاني المجلي والمصلي وبعده المسلي وقال بعده عاطف يسري، ومرتاحها ثم الحضي ومتوسل وجاء اللطيم والسكيت له يبري

فالمجلي‏:‏ أولها، والمصلي‏:‏ الثاني لكونه عند صلى فرس الأول، ثم هي مرتبة كذلك إلى آخرها‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في الرمي

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ هو كالسبق فيما يجوز ويمتنع، ويشترط فيه رشق معلوم، وإصابة معينة، وسبق إلى عدد مخصوص أو لا يحسب لأحدهما إلا ما أصاب في الدائرة، ويحسب للآخر ما أصاب في الجلد كله فجميع ذلك صحيح لازم، ويختص بالرمي عن القوس دون غيره، ولو عرض للسهم نكبة من بهيمة عرضت أو انكسر السهم أو القوس لا يكون بذلك مسبوقا، بخلاف الفارس يسقط عن فرسه، أو يسقط الفرس فينكسر، فإن كان السبق بين جماعة خرج هذا، وخرج هذا، وإن كان بين اثنين، قال محمد‏:‏ الذي رأى أهل الخيل أن الواصل إلى الغاية سابق، وأنكره، واختار أن ما كان من قبل الفارس من تضييع

الشوط وانقطاع اللجام وخرق الفرس، فلا يعذر به، وكذلك إن نفر من السرادق فلم يدخله ودخل الآخر سبق الممتنع، وإن كان ذلك من غيره كما لو نزع شوطه أو ضرب وجه فرسه لم يكن مسبوقا وعذر به، قال ابن يونس‏:‏ ولا بأس بالرمي على أن يعتق عنه عبدا أو يعتق هو عن نفسه، وعلى أن يعمل له عملا معروفا، والله أعلم‏.‏

تم كتاب الجهاد وبه تم الجزء الثالث من الذخيرة يليه الجزء الرابع أوله كتاب الإيمان‏.‏